
لطالما اعتُبر الدوري التركي الممتاز (سوبر ليغ) ملاذًا لنجوم كرة القدم في نهاية مسيرتهم. ففي العقد الأول من الألفية، استقبلت البطولة أسماء لامعة مثل نيكولا أنيلكا وروبرتو كارلوس وديدييه دروغبا، ما منح الدوري بريقًا عالميًا، لكنه لم يُرسِ تنافسية مستدامة. خلف الستار، كان المشهد يتّسم بضعف الإدارة وهشاشة هيكلية لدى العديد من الأندية، بالإضافة إلى فضائح متكررة، مثل فضيحة التلاعب بنتائج المباريات عام 2011، التي هزت مصداقية البطولة. أدى هذا المزيج من عدم الاستقرار المالي والقضايا القضائية إلى تراجع واضح في الأداء والتأثير القاري، حيث بدا الدوري التركي وكأنه محكوم بلعب دور ثانوي على الساحة الأوروبية.
لكن، رغم ذلك، لم تنطفئ شعلة الشغف بكرة القدم داخل تركيا. الملاعب لا تزال تمتلئ بالمشجعين المتحمسين، والمواجهات التقليدية بين غلطة سراي وفنربخشة وبشكتاش تُشعل كل موسم، وتُعتبر جماهير الأندية التركية من الأكثر شغفًا ووفاءً في أوروبا. في السنوات الأخيرة، بدأت ملامح تحول حقيقي تلوح في الأفق. دخول مستثمرين جدد ورعاة أقوياء، إضافة إلى دعم حكومي ملموس، منح بعض الأندية طموحًا أوروبيًا جديدًا.
تطور مستوى اللعب وتحديث البنى التحتية، بجانب توجه جديد في سياسة التعاقدات نحو لاعبين في أوج عطائهم، ساهم في تغيير النظرة إلى الدوري التركي. رغم استمرار بعض التحديات مثل تراكم الديون، الاعتماد المفرط على العملات الأجنبية، والتدخلات السياسية، تُظهر تركيا اليوم نيتها الواضحة في تحويل دوريها إلى منصة حقيقية للعودة إلى مصاف النخبة الكروية.
الدوري التركي يضرب بقوة في سوق الانتقالات الصيفية 2025!
في السنوات الأخيرة، أظهر الدوري التركي طموحًا متجددًا في سوق الانتقالات، ويُعد صيف 2025 أبرز مثال على ذلك. الأندية الكبرى في إسطنبول – غلطة سراي، فنربخشة وبشكتاش – تبنت سياسة هجومية لاستقطاب نجوم بارزين من أوروبا.
فنربخشة، مستفيدًا من تأثير مدربه جوزيه مورينيو وعلاقاته مع وكيل الأعمال خورخي مينديز، تمكن من إبرام واحدة من أكبر مفاجآت الانتقالات الصيفية، بضم جون دوران من النصر. كما يجري النادي محادثات لضم ماركو أسينسيو، إضافةً إلى ضم ميلان سكرينار من باريس سان جيرمان. غلطة سراي يسعى لتحويل إعارة فيكتور أوسيمين من نابولي إلى انتقال دائم، حيث قدم عرضًا بقيمة 75 مليون يورو. بشكتاش يحاول استعادة توازنه عبر ضم لاعبين ذوي خبرة مثل مهدي تارمي.
هذا الحراك يتزامن مع سعي تركيا، التي ستستضيف يورو 2032 بالشراكة مع إيطاليا، إلى تعزيز موقعها كقوة صاعدة في كرة القدم الأوروبية. تعود هذه الاستراتيجية إلى الاستثمارات الخاصة والرعاة الدوليين، حيث يستفيد فنربخشة من دعم عائلة كوتش. أما غلطة سراي، فيعتمد على شركات مثل (SOCAR) التي قدمت عقدًا ضخمًا لأوسيمين.
ومع ذلك، يواجه هذا النمو تحديات اقتصادية صعبة، حيث انخفضت إيرادات حقوق البث التلفزيوني بشكل كبير، بينما تجاوزت ديون الأندية الكبرى ملياري يورو. التضخم بلغ 80٪، مما جعل من الصعب دفع رواتب اللاعبين الأجانب.
نمو حذر في ظل الخطر المالي
رغم هذه التحديات، سعى البنك المركزي التركي إلى إعادة هيكلة ديون الأندية عبر البنوك الوطنية. تستمر تركيا في صعودها، مع اعتماد أكبر على صفقات ذكية واقتصادية. تتجه العديد من الأندية إلى صفقات الإعارة، أو ضم لاعبين أحرار مثل ليروي ساني، أو بصفقات منخفضة التكلفة.
نشاط السوق لم يتوقف عند هذا الحد، بل شمل صفقات دائمة مهمة. سفيان أمرابط انتقل إلى فنربخشة مقابل 12 مليون يورو، وإسماعيل جاكوبس إلى غلطة سراي مقابل 8 ملايين. أيضًا، يستعد بشكتاش لصفقة ضخمة بضم أوركون كوكجو.
بوجه عام، بلغ إجمالي إنفاق أندية الدوري التركي خلال موسم 2024-2025 أكثر من 200 مليون يورو، ما يعكس تطورًا مستمرًا. ورغم أن الدوري التركي لا يزال بعيدًا عن دوريات النخبة من حيث القيمة السوقية، فإن الرغبة في تقليص هذا الفارق واضحة.
يأمل القائمون على الكرة التركية في تحويل الدوري التركي إلى منصة انطلاق نحو القمة الأوروبية. ورغم محدودية الموارد مقارنة بالعمالقة، فإن الحراك المدعوم من رجال أعمال نافذين واستراتيجية تعاقدات أكثر ذكاءً قد تُحدث تغييرًا في موازين القوى الكروية في المستقبل القريب.
رهان محفوف بالمخاطر، لكنه يحمل إمكانيات واعدة.